الاثنين، 28 نوفمبر 2011

اسباب اعلان الحياة الحزبية في العراق 1946


اسباب اعلان الحياة الحزبية في العراق 1946
تقف وراء اعلان الحياة الحزبية في العراق عوامل داخلية وخارجية، كان لها الدافع في الاخذ بالبلاد نحو تشكيل الاحزاب العلنية وحرية الصحافة والانتخابات البرلمانية، مشكلاً بذلك منعطفاً مهماً في التطور السياسي والفكري في تاريخ العراق الحديث. ولا يمكن تفضيل احدهما على الاخر لان السبب يعود الى نضوج كلا العاملين الداخلي والخارجي، ومع ذلك اننا نميل الى الاعتقاد بانه كان للعامل الخارجي الاثر الواضح في دخول العراق الحياة الحزبية في هذه المرحلة كما سنوضح ذلك.
العوامل الداخلية:
كان الشعب العراقي تواقاً الى انتهاء ظروف الحرب العالمية الثانية(1939-1945)، حيث قاس كثيراً خلال تلك الحرب، فانعدمت الحريات الدمقراطية، واعلنت الاحكام العرفية، وعدل الدستور لزيادة صلاحيات الملك بمنحه حق اقالة الوزارة عند الضرورة، وصدرت الانظمة التي قيدت الحريات الشخصية وحرية الصحافة، وارتفعت الاسعار وحدثت مشاكل تموينية حادة([1]) .   
وخلال الفترة التي عطل فيها الحياة الحزبية في العراق([2]) من عام 1935 الى عام 1946 ، تطورت ونضجت ايديولوجيات وافكار عصرية تبناها الجيل الجديد من الشباب المثقف الذين تجاوزوا في مطاليبهم الاستقلال السياسي، الذي نادت به الاحزاب في فترة الانتداب، الى الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والغاء معاهدة 1930 التي لم تعد منسجمة مع الظروف العالمية والتطورات الدولية([3]).
وبعد الحرب بدا الجيل الجديد من الشباب يضغطون بشدة باتجاه الانفراج السياسي، وطالبوا الطبقة الحاكمة بايفاء الوعود التي اطلقوها خلال الحرب وهي بانهم سيطلقون الحريات الديمقراطية، وكان للدعاية الشيوعية التي يروجها مؤيدو المعسكر الاشتراكي تاثير واضح عليهم وظهرت تيارات سياسية ابرزها جماعة كامل الجادرجي وعبد الفتاح ابراهيم ويطلق عليهم جماعة الاهالي. اضافة لجماعة المحامي يحيى قاسم والقوميين من اعضاء نادي المثنى(الملغي)، كذلك جماعة محمد مهدي الجواهري وهو من الديمقراطيين، والحزب الشيوعي السري. وتطالب جميع هذه الكتل بعودة الحياة الديمقراطية الى البلاد([4]).
في اول الامر لم تستجب السلطة الحاكمة لهذه المطاليب، وظهر ذلك بشكل واضح في خطاب الوصي على عرش العراق في الاول من كانون الاول عام 1945 بمناسبة الجلسة الاعتيادية لمجلس النواب، حيث تطرق في خطابه الى عدة امور داخلية وخارجية لكنه لم يشر الى اطلاق الحريات الديمقراطية في البلاد([5]).       
جوبه خطاب الوصي بنقد شديد من الفئات الوطنية واحدثت ردود فعل واسعة، وعد ما جاء فيه لا يختلف عما كان عليه الوضع السياسي خلال الحرب العالمية الثانية واستمراراً له، وتكللت تلك الردود بطرح شعار الجبهة الوطنية لتوحيد الجهود من اجل عودة الحياة الديمقراطية([6]). الامر الذي دفع النخبة الحاكمة الى تغير موقفها سيما بعد ان وجدت نمو وتزايد الوعي الشعبي فحاولت امتصاصها عن طريق التلويح بتشجيع الحياة الحزبية ومحاولة جعلها تتسم بطابع علني تسهل السيطرة عليه بدلاً من دفعها الى العمل السري([7]).
العامل الخارجي:
عند حديثنا عن العوامل الداخلية رائينا انه بالرغم من المطالبة الشعبية الواسعة في الداخل لحث الطبقة الحاكمة على اطلاق الحريات الديمقراطية، الا انها لم تكن جاد في المضيء قدماً لتحقيق ذلك، وان الشيء الذي دفعها الى تغير موقفها هو التغير الذي طرء على السياسة البريطانية، سيما بعد تنامي نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة حيث رأت بريطانيا انه يجب ان لا يعطي اي مجال لتواجد نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة، ولاجل ذلك عقد في ايلول من عام 1945 مؤتمراً في لندن بحضور ممثلي حكومة بريطانيا في الشرق الاوسط، وفيها تم التاكيد على استمرار النفوذ البريطاني في المنطقة وان تتحمل بريطانيا مسؤولية الدفاع عنها، ولاجل ذلك دعا المؤتمرون الى حث الحكومات على تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، الامر الذي يعزز الاستقرار الداخلي لبلدانها التي قد تدفعها النظام الاجتماعي المتردي للاصغاء للدعاية السوفيتية([8]).
ولم تكن بريطانيا في سياستها الجديدة هذه تسير لوحدها، بل ساندتها الولايات المتحدة في موقفها هذا فقد دعا رئيسها هاري ترومان الى:" منع كل ما هو غير شيوعي ان يصبح شيوعياً"، واشار الى انه لكي يكون اي شعب راضياً يكفيه ان يمارس الديمقراطية على طريقة العام الجديدة([9]).
كما ان التشدق بالمفاهيم التي اعلنتها دول الحلفاء وهي تنظيم العالم وفق رؤى جديدة من السلم والرفاه والديمقراطية للامم وبالشكل الذي يمكنها من القيام بواجباتها، عاملاً مهماً في ان تعلن الحياة الحزبية، لكي تبرهن على انها تقف الى جانب القوى الديمقراطية في العالم([10]).  
ان ما سبق من العوامل الداخلية والخارجية دفع بالوصي عبد الاله الى ان يدعوا اعضاء مجلس الوزراء ومجلس النواب والاعيان الى حفلة شاي في قاعة بهو امانة العاصمة في 27 كانون الاول 1945 وخلالها القى  خطاباً، اعلن فيه اطلاق الحريات وتاليف الاحزاب السياسية في البلاد([11]).
وهللت الصحافة للمضامين التي جاءت بها خطبة الوصي عبد الاله حتى ان احد الصحافيين وصفها بانها شبيهة باعلان المشروطية الذي تم في يوم 23 تموز 1908 عندما اعلن الدستور العثماني([12]). مما شجع الكتل الوطنية على تقديم طلباتهم لتأسيس احزاب رسمية في البلاد، فاجازت وزارة الداخلية في 2 نيسان 1946 تاليف خمسة احزاب هي: حزب الاحرار، حزب الاستقلال، الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الشعب، حزب الاتحاد الوطني، ولم تجز حزب التحرر الوطني الذي اراده الشيوعيون ([13]). كما لم تجز طلباً قدمه حزب كوردي، بحجة ان مثل هذا الحزب ينغلق على عنصر واحد من عناصر المجتمع العراقي و متعصب قومياً ولا ينسجم مع الاحزاب الاخرى في البلاد([14]).


([1])  جعفر عباس حميدي(الدكتور)، التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953-1958، (بغداد، 1980)، ص 25.
([2])  صدر اول قانون للجمعيات في العراق في 2 تموز 1922. للمزيد من الفاصيل، ينظر: فاروق صالح العمر(الدكتور)، الاحزاب السياسية في العراق 1921-1932، (بغداد، 1978)، ص 66.
([3])  عادل غفوري خليل، احزاب المعرض العلنية في العراق 1946-1954، (بغداد، 1984)، ص 72.
([4])  محمد حمدي الجعفري، انقلاب الوصي في العراق، (القاهرة، 2000)، ص 42.
([5])  محمد حمدي الجعفري، بريطانيا والعراق حقبة من الصراع 1914-1958، (بغداد، 2000)، ص 141-142.
([6])  جعفر عباس حميدي،التطورات السياسية في العراق 1941-1953، (بغداد، 1976)، ص 180-181.
([7])  عادل غفوري خليل، المصدر السابق، ص 69.
([8])  الجعفري، بريطانيا والعراق، ص 143-144.
([9])  عادل غفوري خليل،المصدر السابق، ص 74.
([10])  عبد الاميرهادي عكام(الدكتور)، تاريخ حزب الاستقلال العراقي 1946-1958، (بغداد، 1986)، ص 11-12.
([11]) الجعفري، بريطانيا والعراق، ص 144.
([12]) فيصل حسون،صحافة العراق ما بين 1945-1970، (د.م، د.ت)، ص 113.
([13])عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ج 7، (بيروت، 1974)، ص 24.
([14])عبد الفتاح علي البوتاني( الدكتور)، موقف الاحزاب السياسية العراقية من القضية الكوردية 1946-1970، (دهوك، 2007)، ص 24.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق