الثلاثاء، 26 فبراير 2013

الجهل في العراق خلال العهد العثماني


الجهل في العراق خلال العهد العثماني
1516-1918
لم يعرف المجتمع العراقي الاستقرار طيلة العهد العثماني، إذ إن الغزو العثماني جاء عقب فترة من الجمود الحضاري، خلال العهود المغولية والتترية ومن ثم التركمانية، اطلق عليها المؤرخون بـ ((العصور المظلمة))، وهي فترة:" لم تتوفر فيها حكومة حضرية تعني بترويج التجارة وتشجيع الانتاج والعناية بنظام الري"(1). وبعد سيطرة الدولة العثمانية لم يستقر احوالها بل استمرت اضطراباتها سواء على مستوى النزاعات العشائرية أو على مستوى الصراع العثماني الصفوي الذي استمر لمدة ثلاثة قرون، فضلاً عن ذلك كانت الاوبئة تجتاح العراق كل عشرة سنوات تقريباً(2).
إضافة على ذلك لم يحدث تغيرات في البنية الاجتماعية في العراق وظلت الصفة العشائرية هي الغالبة عليها، ففي سنة 1869 كان عدد سكان العراق حوالي(726ر000ر1) نسمة، يشكل العشائر والقرويون(75%) والباقي(25%) من سكان المدن، وفي مطلع القرن العشرين 1905 ارتفع عدد سكان العراق الى (000ر250ر2) ومنه (76%) من العشائر والارياف، بينما لم يتغير نسبة سكان المدن وانما انتقص الى (24%). ومما لا ريب فيه ان هذه المسيرة السكانية تدلل على تخلف قطاعات الصحة والاعمار والاقتصاد(3).
 ولم يكن حظ التعليم احسن حالاً من المرافق الاخرى، فقد تفشت الامية وعم الجهل، وقام الملالي واللالات مقام المدرسين، وحل الحلاقون مقام الجراحين، واصبحت دكاكين العطارين تقوم مقام الصيادلة، واشتغل المشعوزون والدجالون لمعالجة الامراض المختلفة، مما يدل على المستوى الفكري المتدني للفرد العراقي(1).
يعد مدحت باشا 1869-1872، أول وال عثماني يعمل على تحديث بعض جوانب الحياة في العراق ومنها التعليم، إذ لم يكن في العراق من المدارس الحديثة قبل ولاية مدحت باشا، سوى بضعة مدارس ابتدائية تابعة للإرساليات التبشيرية أو مقتصرة على الطوائف المسيحية في الموصل وبغداد(2). ويمكن القول انه حتى سنة 1914 كان عدد المدارس في الولايات الثلاث(192) مدرسة رسمية وأهلية وأجنبية ومجموع الطلاب على جميع المراحل والمستويات(15398) والطالبات(2763)، وبالتالي فالمجموع(18161) طالباً، أي لكل عشرة آلاف نسمة من السكان(62) طالباً، إذ قدر سكان الولايات بـ(282ر849ر2) في عام 1919 وهكذا فان معدل النمو السكاني كان ضئيلاً، وهو على مستوى حركة العلم كان بائساً(3). وحتى هذا التاثير الضئيل الذي وصل له المجتمع العراقي من الناحية التعليمية والذي تركز بالاساس في المدن وضمن طبقات معينة كالملاكين والتجار، لم يؤثر كثيراً على المحيط العام، حيث لم يكن يوجد في الموصل سوى مسلم واحد يعرف اللغة الاجنبية. وان نسبة من يعرفون القراء داخل المدن  عام 1850 كانت نصف بالمائة، ووصلت تلك النسبة الى (10) بالمائة عام 1900(4). 
ان ما سبق يظهر بشكل واضح ان الجهل كان منتشراً بالدرجة الاساس بين العشائر العراقية، وهناك وثائق عثمانية تدل على محاولة العشائر ورغبتها في تثقيف ابنائها، ومنها الوثيقة الموسومة بـ( تربية وتعليم الهماونديين)، وهي كتاب رفعه الهماونديين الى الجهات العليا، طالبوا فيه انشاء مدارس في قراهم، وتعين عدد كاف من الجندرمة لحمايتها. وبينت وثيقة اخرى بعنوان( التدابير اللازمة لتقدم المعارف في الموصل وشهرزور(كركوك) والسليمانية عام 1892) اهمية انشاء المدارس في مناطقهم بقولها:" استحصال اسباب الرقي وايصال بعض القبائل والعشائر الباقية في وادي الوحشة والبداوة والظلمة والجهالة الى ميدان المدينة والمجتمعات البشرية التي تمتاز بالعلم والمعرفة"(1).
في الحقيقة ان ضغوط  الحياة الاقتصادية وانخفاض دخل الفرد لم تشجع رب الاسرة على ارسال اولاده الى المدرسة ولهذا فهو يفضل ان يرسل ابنه الى مجال العمل لكي يكسب اجراً يعينه على مواجهة متطلبات الحياة، وكان لهذا الوضع انعكاسه على ازدياد نسبة الاميين في عموم العراق(2).
وعلى هذا الاساس ظل الجهل والأمية منتشراً بين السواد الأعظم للمجتمع العراقي وترك ذلك تاثيرات عميقة على التطور الفكري للانسان العراقي، وانها ادت الى انتشار الخرافات والسحر وايمانهم بها، مما ادى الى تربية الطفل على العادات والتقاليد القبلية البالية والخرافات والاساطير المتداولة بينهم. ويصف احد مثقفي العراق الجهل بـ :"" شجرة الزقوم" و " الد اعداء المدنية والتقدم"(3).
ومن المفيد إن نشير ان نسبة الجهل بين المسيحيين كانت اقل مما هو لدى المسلميين، بسبب كثرة المدارس التي افتتحتها الارساليات التبشيرية، في حين نجد الجهل طاغياً على المجتمع الايزدي في قرى منطقة سنجار والشيخان وباعدرىَ، لان تعاليم الدين الايزدي تمنع التعليم بين الطبقة العامة، وان امراءهم كانوا يحاربون التعليم ويعترونها مفسدة في الوقت الذي كان مرخصاً لهم فقط(4).
فرهاد محمد احمد   2/4/2011


(1) علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث من بداية العهد العثماني حتى منتصف القرن التاسع عشر، ج1، (طهران، 1413)، ص 18. منشور على الموقع:WWW.al-mostfa.COM
(2) المصدر نفسه، ص19.
(3) غالب الشابندر، التحولات الفكرية والسياسية في العراق خلال القرنين الأخيرين، منشور على الموقع: www.moujtaba.com/alfakih/alfikr/feker

(1) فيصل عبد الرحيم، تطور العراق تحت حكم الاتحاديين،( القاهرة، 1969)،123.
(2) ابراهيم خليل احمد، تطور التعليم الوطني في العراق( 1869-1932)، (البصرة، 1982)، ص 25.
(3) غالب الشابندر، المصدر السابق.
(4) شارل عيساوي، التاريخ الاقتصادي للهلال الخصيب 1800-1914، ترجمة: روؤف عباس حامد، (بيروت، 1990)، ص 81.
(1) شعبان مزيري، الاغا والفلاح في ولاية الموصل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر دراسة تاريخية في احواله الاجتماعية والصحية والثقافية والزراعية والاقتصادية، (بغداد، 2009)، ص 197.
(2) ذنون الطائي، الاتجاهات الاصلاحية في الموصل في اواخر العهد العثماني وحتى تاسيس الحكم الوطني، (بغداد، 2008)،ص 267.
(3) شعبان مزيري، المصدر السابق، ص 197.
(4) المصدر نفسه،  ص 197-198.

الاتصال السياسي في الاحزاب الكوردية


عرض كتاب:
الاتصال السياسي في الاحزاب الكوردية
الاتحاد الوطني الكوردستاني نموذجاً
للمؤلف: فؤاد علي احمد
يهدف هذا الكتاب الى بيان دور وسائل الاتصال السياسي، لدى الاحزاب الكوردية بشكل عام والاتحاد الوطني الكوردستاني على وجه الخصوص، في الوصول الى الجماهير الكردية خلال المدة(1918-2007)، والكتاب في الاصل رسالة ماجستير، قدمت الى قسم الاعلام جامعة السليمانية .
مارس وسائل الاتصال قديماً وحديثاً دوراً مهماً في التواصل الاجتماعي، لذا اعتقد ان المؤلف كان موفقاً في اختيار هذا الموضوع، كما ان المكتبة الكوردية  بحاجة الى مثل هذا النوع من الدراسات، فضلاً عن التاثير الذي سيتركه هذا الدراسات على الاحزاب الكوردية لكي تحسن من وسائل اتصالها مع الجماهير الكوردية، التي اثبتت هذه الدراسة انها لا تزال تعاني من الضعف في وسائل التواصل مع الجماهير.
ان الخطة التي وضعها المؤلف في تتبع مادته جيدة ومناسبة وشاملة تغطي عنوان الدراسة، وما يؤخذ عليها انه كان من الافضل ادراج العناوين الفرعية الموجود في مضمون الدراسة ضمن الفهرست مع العناوين الرئيسة للدراسة، لان الفهرست تعتبر مفتاح الكتاب وتسهل من فهم محتوى الكتاب. فبدأ في الفصل الاول بعرض عدة تعريفات للاتصال والاتصال السياسي واساليب وانواع وسائل الاتصال السياسي.
كرس الفصل الثاني لدراسة الاتصال السياسي في الاحزاب والقوى السياسية منذ 1918 والى 2007 وقسمها في ثلاثة مراحل، الأولى( 1918 1945)، والثانية ( 1946-1990)، والثالثة(1991-2007) مما يؤخذ على هذا الفصل طول المدة التاريخية التي يغطيها (1918-2007 ) وهي فترة طويلة، انه كان من الافضل حصرها بين المدة (1918-1990) او( 1991-2007)، وعلى هذا الأساس جاء دراسته للفصل الثاني من الكتاب دراسة سطحية غير عميقة، شملت تاسيس الاحزاب واهم وسائل اتصالها دون التطرق الى بيان دور وسائل اتصالها مع الجماهير الكوردية، إذ لم يستشهد بدور اي منها من حيث المقالات التي تنشرها الصحف والمظاهرات السياسية والاضرابات السياسية ومذكرات الاحزاب وفعالياتها...... الا نادراً جداً. فضلاً عن ذلك، وبما انه فصل تاريخي كان عليه ان يتبع المنهج التاريخي في سرد الإحداث، حيث انه لم يلتزم في عدة اماكن بالتسلسل التاريخي وكما انه ابتعد نوعاً ما عن موضوعه الرئيسي وهو العلاقة بين الاحزاب السياسية والجماهير من خلال وسائل الاتصال السياسي وبيان درجة تاثير هذه الوسائل على الجماهير الكوردية، في الوقت الذي انشغل بذكر عدد من الحوادث التاريخية والتي لم يكن موفقاً فيها.
خصص الفصل الرابع لدراسة نشأة وسائل الاتصال السياسي لدى الاتحاد الوطني الكوردستاني واساليبه وتطورها، تطرق اولاً الى ذكر نشأة وتطور الاتحاد الوطني الكوردستاني ومن ثم بحث اساليب ووسائل الاتصال السياسي للحزب مع الجماهير الكوردية وذلك خلال مرحلتين، الأولى:(1975-1990) والثانية( 1991-2007). وهو فصل محوري مهم بالنسبة للدراسة.
اما الفصل الخامس والاخير من الدراسة المعنون(الاتصال السياسي في الاتحاد الوطني الكوردستاني ومستوياته) فهو عبارة عن دراسة ميدانية، قام الباحث بتوزيع (170) استبانة على القياديين في الاتحاد الوطني الكوردستاني وعلى المستويات المحددة ومن ثم قام بتحليلها للحصول على معلومات دقيقة وصحيحة. ومن خلال سؤال في الاستبانة حول مدى اهمية الاتصال السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني  اكد (54,11 %) من اجابات القياديين في الحزب على انها مهمة جداً. كما واكد ( 70%) من القادة على انه توجد مشاكل تواجه ممارسة الاتصال السياسي لدى الحزب. وحول سؤال اخر هل ان هناك تخطيط للاتصال السياسي في الحزب، أشار (25,89%) من القياديين على اعتماد مبدأ التخطيط، واشار (44,70%) منهم الى الاعتماد عليه احياناً. وعن سؤال اخر حول التنسيق في الاتصال السياسي، اجاب (18,23%) فقط من القياديين الى الالتزام بالتنسيق و (50%) منهم الى الالتزام به احياناً. وحول الوسائل التي تسخدمها الحزب دائماً في التواصل مع الجماهير، فاخذت الصحافة الاهمية الاكبر مقارنة مع الوسائل الاخرى بنسبة(64,11%) وتليها التلفزيون بنسبة( 53,52%)،ومن ثم الاذاعة بنسبة(34,70%)، والنشرات(27,64%)، واللافتات(24,70%)، الكتب(20,59%)، الانترنت(17,06%)، البوسترات(8,23%).                                                                                                     
واخيراً توصل المؤلف من خلال دراسته لوسائل الاتصال السياسي لدى الاتحاد الوطني الكوردستاني الى تقديم نموذج مقترح يصور فيه العلاقة التكاملية للاساليب العلمية في ممارسة الاتصال السياسي يمكن ان يستفيد منه الحزب وان اهم ما جاء في المقترح هو ان يقوم الحزب باجراء البحوث بشكل منظم ودوري لقياس الرأي العام ازاء الحزب، وان يعتمد على التخطيط والتنظيم في الاتصال السياسي، وان تقوم بين فترة واخرى بتقويم وسائل اتصالها مع الجماهير بعيداً عن المجاملات والعلاقات الشخصية.  
                                                                           فرهاد محمد احمد                
                                                                                   ‏13‏/05‏/2011