الاثنين، 24 ديسمبر 2012

تاسيس الحزب العمال الكرستاني (pkk)

تاسيس الحزب العمال الكرستاني (pkk)

فرهاد محمد احمد
تأثر الشباب الكردي، سيما الذين انتقلوا إلى المدن، بما يجري في الساحة التركية من تشكل المجموعات الايدولوجية اليسارية في السبعينات من القرن العشرين، واتخذ النشاط الفكري ذو الطابع الماركسي من الجامعات والمنديات الفكرية منابر لها، وكان من البديهي ان تكون المسالة الكردية جزءاً مهماً من تلك المناقشات(1).
وكان عبدالله اوجلان نفسه حينما كان طالباً في كلية العلوم السياسية منضماً إلى التيارات اليسارية التركية فهو يقول:" عام 1974-1975 عامان وهبت نفسي فيهما للثورة التركية". وبعد حملة الاعتقالات التي طالت اصدقائه توجه اوجلان إلى كردستان، وتجول خلال شهري نيسان وايار من عام 1977 في مناطق قارص واكري وديرسيم وبينكول ودياربكر وعنتاب وعقد عدة اجتماعات تمكن من خلالها حشد جماهير مهمة له، وعن ذلك يقول اوجلان:" ان ذهابنا إلى كردستان وقيامي بجولة جريئة كان مهماً جداً، لان البزور قد انتشرت في كل مكان"(2).
وحينذاك لم يكن لتنظيمهم اي اسم أو برنامج مكتوب وانما بدوا نضالهم ايدولوجياً، فبعضهم كان يسميه (ثوار كردستان) وبعض الأخر كان يسميه( الابوجيين) او (الاشتراكيون الكرد) او(المحررين القوميين) او( تةلةب-الطلاب) اما هم فكانوا يفضلون اسم(ثوار كردستان)(3). وعن كيفية تحويل ذلك التنظيم إلى حزب يقول اوجلان:" بعد استشهاد الرفيق حقي(حقي قرار) وتخليداً لذكراه حاولنا كتابة برنامج الحزب وهي خطوة مهمة إلى الامام .. وحاولنا توزيع البرنامج اعتباراً من 1977-1978 وكانت مرحلة هل نستطيع التحول إلى حزب أو سنبقى كمجموعة ايدولوجية"(4).
وبعد اجتماع عقد في دياربكر في 27 تشرين الثاني 1978، استمر لمدة اربعة ايام، وكان من بين الحضور فضلاً عن اوجلان: مظلوم دوغان ومحمد قرة سنغور ومحمد خيري درويش ..، ناقشوا خلاله العديد من القضايا، وقرروا تشكيل حزب اعلن عنه رسمياً خلال شهري شباط- اذار  1979 باسم حزب العمال الكردستاني(بارتيا كريكارانى كوردستان) وعرف اختصاراً بـ( ب.ك.ك-pkk)(5).    
 وفي الفترة التي تأسس فيها pkk لم تكن الأوضاع في تركيا مستقرة من الناحية السياسية والأمنية، حيث انفجرت موجة من العنف السياسي التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا(6). وبالنسبة لكردستان فقد قيم الاوضاع فيها تقرير رفع من السفارة الامريكية في انقرة إلى وزير الخارجية الامريكي في 10 ايلول 1979، استهل التقرير بذكر ان الحكومة التركية تستخدم اسلوب العصا والجزرة في السيطرة على المناطق الكردية من خلال تشكيل هيئة تضم زعماء القبائل واصحاب الاراضي، مع الحفاظ على وجود عسكري، ومع ان التقرير يشير إلى:"بروز الوعي العرقي وتورط بعض الشبان المثقفين الاكراد في النشاطات الماركسية الانفصالية الثورية الارهابية" إلا انه لا يذكر شيء عن تاسيس pkk. ويشك التقرير من قدرة الاحزاب الكردية الموجودة في القيام بثورة في المناطق الكردية مذكراً:" نحن نشك بان الجماعات الكردية الراديكالية المشتتة يمكن ان تكون تحدي علني وجدي للقوة المهيمنة للجيش التركي في المناطق الكردية"(7).
في الحقيقة ان ما ذهب اليه التقرير صحيح، فبعد ان علمت السلطات التركية بنشاط pkk بدأت بحملة واسعة لاعتقال وقتل بعض كوادره، وبسبب امكانيات الحزب الضئيلة من حيث التجهيز والاستعداد، اتخذ قراره بالخروج من تركيا، فانتقلت قيادته من دياربكر إلى اورفة، وفي تموز 1979 عبرت الحدود ولجأت إلى سوريا ولبنان(8).
وعقد الحزب مؤتمره الاول في 15 تموز 1981 واتخذ قرار العودة إلى كردستان تركيا، وفي اب 1982 عقد مؤتمره الثاني 1982 في دمشق وارسل بعض المجموعات المسلحة إلى داخل كرستان تركيا، وفي عام 1983 تمركزت المئات من مقاتلي الحزب في اقليم بوتان، واسس في 15 اب 1984 جيشاً باسم قوات تحرير كرستان واعلن بدء الكفاح المسلح(9).
بنية الحزب واهدافه:
ان الذين اسسوا pkk مختلفين عن كل الجماعات الكردية السابقة في تركيا من حيث انهم جميعاً تقريباً كانوا من طبقة العمال(البروليتاريا) المتنامية في تركيا، كانوا يمتلئون غضباً من استغلال البروليتاريا الريفيين والمدنيين على ايدي الاغوات والتجار والمؤسسة الحاكمة(10)، وعلى الرغم ان الحزب اعتمد في قاعدته الاجتماعية على العمال والفلاحين والموظفين وبعض العاطلين عن العمل والحرفيين من الاوساط الشعبية الكردية، إلا ان نظرية الحزب واعتماده على النضال المسلح جعل الحزب يتجه نحو فئة الشباب بحكم امتلاكها القدرة على حمل السلاح(10).
 لان التركيب التي تاسس عليها pkk تتكون بالاساس من الطبقات الفقيرة من الفلاحين والعمال، فكان عليها محاربة الملاكين وكبار التجار الذين لهم ارتباطات مع الحكومة، ولاجل تنفيذ ذلك هيأت نفسها فكرياً بالاعتماد على الفكر الماركسي زايدت في تطبيقها لهذا الفكر معظم الاحزاب اليسارية التركية بما فيهم الحزب الشيوعي التركي. وعلى هذا الأساس وجه الحزب نضاله ضد هذه الفئات، وبذلك تمكن من تاسيس قاعدة عريضة للحزب يؤمنون بفكر pkk مستعيدين للتضحية من اجل الوصول لغاياتها(11). لا اعتقد(حسب معلوماتي) ان هناك حزباً في الشرق الاوسط مارس وطبق وآمنة بالنظرية الماركسية مثل pkk.

                                                                                       فرهاد محمد احمد
                                                                                     دكتوراه حديث
                                                                                                ‏13‏/04‏/2011


(1) وصال نجيب عارف العزاوي، القضية الكردية في تركيا، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية العلوم السياسية،(جامعة بغداد، 1994)، ص 155. 
(2) ملحمة الانبعاث، حوار اجراه يالجين كوجوك مع عبدلله اوجلان، منشورات الحزب العمال الكردستاني pkk ، (د.م، 1994)، ص 83-84.
(3) حةسةن جودى، pkk ميَذويةك لة ئاطر، نهيَنى خوراطرى بزوتنةوةى ئاثوضى ديمانةيةك لة طةل (جةميل بايك)دا، لة بلاوكراوةكانى كوميتةى راطةياندنى(ب ج د ك)، (ب.ج، 2008)، ل 141.
(4) ملحمة الانبعاث، المصدر السابق، ص 86.
(5) العزاوي، المصدر السابق، ص 157.
(6) ابراهيم داقوقي، اكراد تركيا، (دمشق، 2003)، ص 270.
(7) للتفاصيل، ينظر: تدخلات امريكا في البلدان الاسلامية تركيا، من سلسلة وثائق وكر الجاسوسية (41)، مشورات الوكالة العالمية، (بيروت، 1991)، ص 137-142.
(8) العزاوي، المصدر السابق، ص 157.
(9) المصدر نفسه، ص158.
(10) ديفيد مكدول، تاريخ الاكراد الحديث، ترجمة: راج ال محمد،(بيروت، 1999)، ص 626.
(10) العزاوي، المصدر السابق، ص162.
(11) للتفاصيل، ينظر: مكدول، المصدر نفسه، ص627-628 ؛ العزاوي، المصدر نفسه، ص158-163.