الاثنين، 26 نوفمبر 2012

الملكية الزراعية في العراق

الملكية الزراعية في العراق
فرهاد محمد احمد
يعد عامل الملكية الزراعية من اهم عوامل عدم تقدم القطاع الزراعي في العراق ومنها كوردستان، حيث ان القوانيين التي صدرت خلال العهد الملكي 1921-1958 لم تستطع معالجة مسألة الملكية الزراعية وظلت غالبية الاراضي الزراعية بيد فئة قليلة من الاقطاعيين وحرم منها الفلاحيين الذين كانوا حينذاك يشكلون غالبية ابناء المجتمع العراقي، عليه كان المردود الاقتصادي العراقي الزراعي خلال الفترة المذكورة متدنياً، ترك تداعياته وتاثيراته على احوال الفلاحيين من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية.
تمثلت ملكية الاراضي الزراعية في العراق قبل صدور قانون الاراضي العثمانية سنة 1858 في ثلاثة اشكال رئيسة: الاراضي المملوكة للافراد ونسبتها ضئيلة في العراق، والاراضي الموقوفة، والاراضي الاميرية، أي المملوكة للدولة، وتشمل معضم اراضي العراق.كان الفلاح يحصل على حق زراعة الاراضي الاميرية بعد دفع مبلغ من المال يسمى برسم الارض((رسم زمين)) وهذا المبلغ يعد بمثابة ايجار للارض، ولا يحق له بيعها او رهنها او تحويلها الى اوقاف. وفي المناطق الكوردية كان الوضع يختلف حيث تركت الاراضي الاميرية وجباية الضرائب والرسوم منذ القرن السادس عشر بيد الاغوات المحليين ولم تتدخل الدولة في شؤونها الداخلية([1]). 
اصدرت الدولة العثمانية قانون الاراضي سنة 1858 وقانون الطابو سنة 1859 لوضع اسس ثابتة في مسألة التصرف بالارض، وعندما اصبح مدحت باشا والياً على العراق سنة 1869 طبق قانون الطابو الذي سمح بتمليك الاراضي الزراعية، وبموجبه تحول رؤساء العشائر والاغوات الى ملاكين لاراضي واسعة لكون لم يكن بمقدور الفلاحين شراء الاراضي من الدولة على الرغم من اسعارها الواطئة.  وكان سعر الارض التي تنبت الشلب قيمتها (75) قرش والاراضي التي تزرع الشتوي بـ(50) قرش، وأراضي الصيفي بـ (20) قرش والاراضي الخربة القابلة للعمران بـ(7) قرش([2]).
ادت سياسة مدحت باشا الى :" نشوء عوائل اقطاعية تمتلك اصقاعاً كبيرة من الارض" والى :" خلق نزاع عنيف بين الزراع والمتفوضين" انتهى برضوخ الزراع واذعانهم للامر الواقع. وبالتالي فان هذه السياسة خلفت للعراق مشكلة معقدة  ادت الى خراب الاراضي بعدما اهملها الزراع نظراً لتفويضها الى اثرياء المدن([3]).يبدو ان السلطة العثمانية ادركت فشل سياسة الطابو في العراق عليه اصدرت فرمانيين اوقفت بهما منح الاراضي بالطابو واعترفت باستحالة تطبيق قانون الاراضي عملياً([4]).
ورثت السلطات البريطانية هذه المشكلة من الدولة العثمانية لكنها وجدت اول الامر الابقاء على القوانين العثمانية لانها تعطيها سيادة قانونية على معظم الاراضي تمكنها من استخدامها كاداة للضغط على القوى المحلية كذلك من اجل تخفيف اعبائها المالية لانها ستستوفي حصة الدولة من هذه الاراضي.  ومع ذلك اصدرت عدت بيانات كانت بمثابة حلول مؤقتة اطلقت عليها مفهوم التسوية وخولت حكامها صلاحيات واسعة لانجاز التسويات المطلوبة لمشاكل الاراضي القائمة([5]).
 يمكن القول انه خلال ستين عاماً من 1869-1929 لم يتحول من اراضي الدولة الى الطابو للافراد الا بنحو 20% من مساحة الاراضي الزراعية المثتثمرة، اما في الثلاثين سنة التي تلت وحتى عام 1975 فقد بلغت نسبة الاراضي المفوضة بالطابو نحو 40% من مساحة الاراضي الزراعية المثتثمرة، كما ان 30% منحت بالزمة التي لا تختلف كثيراً عن الطابو([6]) .
اما عن مدى استفادة الفلاحيين من القوانيين التي صودرت فيكفي ان نعلم 75% من مساحة الاراضي الزراعية المثتثمرة كانت بحيازة كبار الملاكين الذين تزيد حيازة كل منهم على 400 الف دونم و 25 % فقط بحيازة الفلاحين وصغار الملاكين. وبقي 85 % من سكان الريف لا يملكون شبراً واحداً  في حين ان اقل 1% بالنسبة لسكان الريف كان يملك ثلاثة ارباع الاراضي الزراعية وبعض كبار الملاكين كان يستثمر 20 الف عائلة فلاحية([7]).  
 صدر في عام 1932 ‏ قانون تسوية حقوق الاراضي رقم 50 ، وكان الغرض منه تعيين صنوف الاراضي وعائدي، وتثبيت الحقوق المتعلقة بالاراضي وتحديد  حدود الاراضي وتعين مساحتها وتسجيلها باسماء اصحابها. وقسم القانون الاراضي الى ارعة صنوف وهي([8]):
1-  الاراضي الاميرية المفوضة بالطابو:أي من لديه سندات الطابو تثبت عائديتها له.
2-   الاراضي الاميرية المنوحة باللزمة: وهي الاراضي التي منح حق استغلالها الى شاغليها المتصرفين فيها فعلاً مدة الخمس عشرة سنة السابقة على تسويتها، فحق اللزمة ينبثق من السكن والزراعة في الارض.
3- الاراضي الاميرية الصرفة: وهي الاراضي التي تبقى حقوقها وعائديتها بيد الحكومة واوزارة المالية ان تؤجرها او تعطيها بالالتزام.
وفي عام 1932 ‏قررت حكومة الانتداب البريطانية مسح الأراضي، وقد سجلت أجزاء كبيرة منها بأسماء الشيوخ. لقد رأى قانون التسجيل العقاري الجديد، بأن كل من يستطيع البرهنة على زراعة الأرض لمدة سنوات، يكون مالكأ لها قانونيأ. وبهذا خسر الفلاحون الصغار الارض التي زرعوها، ‏لأنهم لم يستطيعوا البرهنة على ذلك لأنهم كانوا ينتقلون من ارض إلى أخرى. أما الشيوخ فقد استطاعوا عمل ذلك، لأن الحكومة الانكليزية كانت قد وعدتهم بذلك فيما إذا حققوا أهدافها المرسومة. ليس شيوخ العشائر وحدهم تحولوا إلى ملاك كبار للأراضي، وانما العائلة الملالكة وكبار موظفي الحكومة وبعض المتنفذين من تجار المدن، الذين استطاعوا تسجيل أراض زراعية كبيرة كملك خاص بهم، في دائرة الطابو([9]).
والى جانب قانون التسوية صدر قانون اللزمة رقم 51 لسنة 1932 الذي اعطى صفة قانونية تحت عنوان ((حقوق اللزمة)) ووفقاً للمادة (11-أ)من قانون التسوية الاراضي فان حقوق اللزمة تمنح:" الى الشخص الذي تصرف في الاراضي الاميرية ا والى من حل محله على ان يكون قد استثمرها خلال مدة الخمس عشرة سنة السابقة، ويعد صاحب المضخة عادةً متصرفاً في الارض المسقاة من مضخته ما لم تكن قد زرعت خلال المدة ذاتها([10]).
سمحت تطبيق القانونيين الزعماء القبليين بالحصول على الاراضي التي كانت اصلاً مشاعة بين افراد القبيلة كملكيات خاصة، اذ ان معظم قرارات لجان التسوية جاءت دعماً لادعاءات الزعماء القبليين الذين تحولوا بفضل هذا الدعم الرسمي الى مالكين شرعيين للجزء الاكبر من من اراضي العشائر مما ترك تأثيراً سيئاً على تطور الزراعة في العراق([11]).     
1-   


([1])  خليل علي مراد، حيازة الارض الزراعية، موسوعة الموصل الحضارية ، مج5، (الموصل، 1992)،ص 136-137
([2])عماد احمد الجواهري، تاريخ مشكلة الاراضي في العراق ودراسة في التطورات العامة 1914-1932 ، (بغداد، 1987)، ص 36.
([3])  المصدر نفسه، ص41-42
([4])  المصدر نفسه، ص123
([5])  المصدر نفسه، ص123
([6])ليث عبد الحسين الزبيدي،ثورة 14 تموز 1958 في العراق،(بغداد، 1981)،ص30.
([7])  المصدر نفسه، ص 30-31.
([8])  خليل علي مراد، المصدر السابق، ص 146-147.
([9])  المصدر نفسه، ص 147.
([10])المصدر نفسه، ص 148.
([11])  المصدر نفسه، ص148-150.