الأحد، 23 ديسمبر 2012

تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق

تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق

فرهاد محمد احمد

من الممكن القول إن النواة الأولى لتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق ولدت في أيام حركة بارزان 1943- 1945 حينما تشكلت لجنة ئازادي في 15 كانون الثاني 1945 للأشراف على تلك الحركة، وكان اغلب أعضاء اللجنة، فضلاً عن ملا مصطفى البارزاني، من الضباط الذين التحقوا بالحركة الكردية والتجئوا مع البارزانى، بعد فشل حركتهم، إلى كوردستان ايران وهم نوري احمد طه ومصطفى خوشناو وميرحاج احمد ومحمد محمود قدسي وعزت عبد العزيز وخيرالله عبد الكريم(1).
وعندما تأسس الحزب الديمقراطي لكوردستان ايران في 16 شباط 1945 برئاسة القاضي محمد واخص بنضاله حصراً على كوردستان ايران، جعل من البارزاني إلى ان يخطوا بخطوة مماثلة سيما بعد وصول حمزة عبدالله إلى مهاباد لتبليغ البارزاني عن رغبة الاحزاب الكوردية بضرورة تاسيس حزب كوردي من جميع الاحزاب الكوردية في العراق، وعلى هذا الأساس شكل البارزاني مع حمزة عبدالله والضباط الذين مر ذكرهم حزباً باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق، ووضعوا منهاجاً ونظاماً داخلياً له(2). وبذلك ظهر الاحزاب القطرية أو الاقليمية الكوردية، إذ كان قبل ذلك تؤسس الاحزاب والجمعيات الكوردية لعموم كوردستان، فمثلاً كان لجمعية(ذ.ك) فرعاً في السليمانية كذلك لحزب هيوا فروعاً في كوردستان ايران(3).
ومع ان اغلب المصادر الكوردية اشارت إلى تاسيس ذلك الحزب الذي اسسه البارزاني في مهاباد ألا انها لم ترد معلومات مفصل عنه وحتى تلك المعلومات التي أوردتها لم تشر الى المصادر التي استقت منها تلك المعلومات(4) إلى ان اورد محمود ملا عزت وثيقة للحزب الديمقراطي لكوردستان ايران تشير إلى تأسيس ذلك الحزب، وبذلك أكدت تلك المعلومات التي أوردتها المصادر الكوردية عن حقيقة تأسيس ذلك الحزب الذي أسسه البارزاني في مهاباد(5). 
وعلى هذا الأساس فان فكرة تاسيس حزب كوردي من جميع الاحزاب الكوردية في العراق ولدت لدى البارزاني ورفاقه في كوردستان ايران، ولاجل تنفيذ تلك الفكرة، اوفد البارزاني حمزة عبدلله إلى كوردستان العراق للتباحث مع جميع الاحزاب الكوردية، ومما سهل من نجاح مهمة حمزة عبدالله هو ان المناخ السياسي كان ملائماً، إذ يروي نوري شاويس في مذكراته بشيء من التفصيل مهمة حمزة عبدالله وعملية كيفية اقناع الاحزاب الكردية، فيقول:" في ..عام 1946 كان حمزة عبدالله عائداً من مهاباد،..وكان يتحدث ..عن ضرورة وجود حزب كوردستاني واحد في العراق ويكون على شكل حزب ديمقراطي كوردي( يقصد الحزب الديمقراطي لكوردستان ايران)، وذلك لان حزب رزطارى كان نموذجاً جيداً لكي يتوسع ويتغير اسمه على ضوء ذلك. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى كون حمزة( حمزة عبدالله) كان يتحدث باسم البارزاني وباسم ئازادي الذي اسسه الضباط الكورد حيث انخرط فيه..، كان لتلك الفكرة وقعاً في نفوسنا فاثرناها في اجتماعات شورش رزطارى ورحبنا بها"(6).
ومما كان يصعب من مهمة حمزة عبدالله هي الشروط المسبقة التي كان يحمل معه من البارزاني وهي: 1- اختيار كل من الشيخ لطيف الحفيد كنائب أول للرئيس وكاكا زياد كنائب ثاني له. 2- عدم اجراء تغيرات جوهرية على منهاج الحزب. 3- عدم زج الحزب في صراعات مع الحكومة حتى يثبت اقدامه(7). في الحقيقة برز الخلاف بشكل اساسي حول اختيار نواب الرئيس على اعتبار انهما من كبار الملاكين ومن رموز الاقطاع في كردستان، إذ كانوا يقولون:" اننا لا نريد الالتقاء بالخط البرجوازي وان الماركسية اللينينية في هذا الحزب سوف تزول"(8).          
فمن الملاحظ على التيارات والجماعات السياسية في الساحة الكردستانية سواء على أعضاء شورش رزطارى وحتى بقايا جمعية هيوا وهو غلوهم في الفكر الماركسي سيما من قبل بعض الشخصيات المهمة داخل حزب شورش مثل صالح حيدري وجمال حيدري ونافع يونس وحميد عثمان وغيرهم الذين كانوا يجدون أنفسهم أكثر عمقاً بالأفكار الماركسية ويعدون الآخرين بدائيين بها. أما إبراهيم احمد فانه أوضح إن حل فرع ذ.ك وحينذاك كان فرعاً للحزب الديمقراطي لكردستان ايران مشروط بموافقة قاضي محمد رئيس الحزب(9).
ومن المفيد إن نشير إن الشروط المسبقة للبارزاني التي كان يجب الموافقة عليها من الناحية القانونية غير صحيحة، إذ إن ذلك من مهام مؤتمر الحزب وهو الذي يختار الرئيس ونوابه وأعضاء اللجنة المركزية، ويبدو إن البارزاني اتخذ ذلك القرار من حرصه الشديد على ضرورة مشاركة جميع شرائح المجتمع الكوردي في الحزب، فكان الشيخ لطيف ابن الشيخ محمود له مكانة مميزة ليس في السليمانية فحسب وانما في عموم كوردستان، اما النائب الثاني فهو كاكا زياد اغا وهو من الآغوات المعروفين في اربيل، ومن خلال ضمهما يمكن خلق تأيد واسع في كل من اربيل والسليمانية. ويذكر حبيب محمد كريم بهذا الصدد:" ولو اتصف الاستاذ حمزة عبدالله ببعض المرونة ووافق على وجهة نظرهم في طرح انتخاب نائبي الرئيس على المؤتمر فان موافقة الاكثرية على انتخاتهما كان امراً وارداً على اغلب الظن"(10).
على كل وافق اغلب أعضاء الأحزاب الكوردية في الانضمام للحزب الجديد وعقد مؤتمره الاول في 16 اب 1946 بحضور (32) مندوباً في منزل سعيد فهيم في بغداد وخلاله تم دراسة منهاج الحزب واختير اسم (الحزب الديمقراطي الكوردي) للحزب وتم انتخاب ملا مصطفى البارزاني رئيساً وشيخ لطيف نائباً أول وكاكا زياد نائباً ثاني، كما وتم انتخاب اعضاء اللجنة المركزية وهم كل من: حمزة عبدالله، ميرحاج احمد، جعفر محمد كريم، علي عبدالله، صالح اليوسفي، عبد الكريم توفيق، رشيد عبدالقادر، رشيد باجلان، ملا سيد حكيم خانقيني، عوني يوسف، طه محي الدين معروف، واخيراً عبد الصمد محمد عضواً احتياطاً. كما وانتخبت اللجنة المركزية كل من: حمزة عبدالله سكرتيراً، جعفر محمد كريم، علي عبدالله، عبد الكريم توفيق، ورشيد عبدالقادر، اعضاءً في المكتب السياسي. كما وتقرر الابقاء على جريدة رزطارى لسان حال حزب رزطارى كجريدة الحزب للاستفاد من شعبيتها بين الجماهير الكردية(11).
ومن الملاحظ على أسماء أعضاء اللجنة المركزية للحزب، انه اراد اشراك اغلب شرائح المجتمع الكوردي ومن جميع مناطق كردستان، ولا يزال الاحزاب الكردية تراعي ذلك بالرغم من التغيرات التي طرأت على التركيبة الاجتماعية للمجتمع الكوردي، ومن الممكن القول إن نجاح المؤتمر الأول للحزب يعود إلى تلك البنية التي اسست عليها الحزب وهو اشراك جميع التيارات الفكرية في الساحة الكردستانية ضرورة العمل على فكرة واحد وهي الوصول إلى الاهداف القومية الكوردية.
ومن ناحية اخرى جاءت تشكيل قيادة الحزب الجديد بسيطرة واضحة لشيوعي شورةش وماركسي رزطارى، فقد ضمت اللجنة المركزية اربعة افراد من حزب هيوا القومي اليميني وهم ميرحاج احمد، ملا حكيم خانقيني، عوني يوسف، وصالح اليوسفي. واوصل الشيوعيون الكرد ثلاثة من اعضائهم الى القيادة وهم علي عبدالله، عبدالكريم توفيق و رشيد عبدالقادر، وثلاثة من حزب رزطارى وهم الدكتور جعفر محمد كريم، رشيد باجلان وطه محي الدين(12).
بالرغم من السيطرة الواضحة لجماعة الشيوعيين والماركسيين على الحزب، إلا ان بقاء الجماعات الاخرى فيه جعل منه حزباً لا يمينياً ولا يسارياً بل قومياً، إذ جاء ذلك وفق النهج الذي يريده رئيس الحزب في ان يكون اعضاء الحزب احرار في التفكير والايمان باية عقيدة فكرية يميناً او يساراً شرقاً او غرباً ولكن ان يجعلوا مصلحة الكورد وكوردستان في المقدمة وفوق اي مصلحة شخصية او طائفية اخرى(13). ولكننا نعتقد ان انعدام النهج الواضح الذي تشكل عليه البارتي فكرياً وتنظيمياً  جعل منه عرضة لانشقاقات وخلافات عديدة سيما ان الحزب كان يخوض معترك النضال في غياب رئيسه.
اكد منهاج البارتي على الاهداف القومية للشعب الكوردي، ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان والاصرار على تثبيت ذلك في دستور دائم، والتاكيد على الاخوة العربية الكردية، والدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية للشعب العراقي(14).
واجه البارتي في ظل امانة حمزة عبدالله( 1946-1951) مشاكل جمة، فكان عليه ان يكافح على اكثر من جبهة، ومنها محاربة الحزب الشيوعي العراقي ايدولوجياً الذي كان يرى عدم الحاجة الى حزب قومي كوردي،  كذلك تعرض الحزب الى حملة اعتقالات واسعة بين صفوفه وطالت اعضاءً في القيادة ومنهم كل من ابراهيم احمد وحمزة عبدالله. وبعد خروج ابراهيم احمد من السجن وتراسه لامانة البارتي تقدم الحزب بعدد من الخطوات الى الامام، وتعد المؤتمر الثالث للحزب الذي عقد في كركوك في كانون الثاني 1953 مؤشراً خطيراً في تاريخ الحزب، حيث غير ابراهيم احمد اسم الحزب الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكان ذلك تطوراً مهماً في التفكير السياسي للبارتي حيث حقق تحولاً من فكرة الشعب الى فكرة الوطن، ووضع منهاجاً جديداً للحزب واخطر ما فيه هو ان البارتي  ينتفع من الماركسية اللينينية منهجاً لها، بذلك تخلص من التهم الشيوعية واكتسح الجماهير المؤيد له في كوردستان سيما بعد ان قرر تاسيس المنظمات الجماهيرية(15).
وعلى اثر التقدم الذي احرزه الحزب في ظل امانة ابراهيم احمد، انضم الى صفوفه من جديد جماعة حمزة عبدالله عام 1956 حيث كان انشقى عن البارتي وكون حزباً باسم (الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي الكردستاني)، كما وانضم اليه في عام 1957عدد من اعضاء فرع كوردستان للحزب الشيوعي العراقي وهم: صالح حيدري و كمال فؤاد وحميد عثمان،  وليغير اسم الحزب الى الحزب الديمقراطي الموحد لكوردستان العراق(16).       
         


(1) للتفاصيل حول تأسيس لجنة ئازادي، ينظر: عزيز حسن البارزاني، الحركة القومية الكردية في كوردستان العراق 1939-1945، (دهوك، 2002)، ص 189.
(2) مةهدى محةمةد قادر، ثيَشهاتة سياسييةكانى كوردستانى عيراق 1945-1958، (سليمانى،2005)،ل ل 116-117.
(3) اسماعيل شكر رسول، اربيل دراسة تاريخية في دورها الفكري والسياسي 1939-1958، (السليمانية، 2005)، ص 257.
(4) ينظر مثلاً: حبيب محمد كريم، تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق( في محطات رئيسية)،(كوردستان، 1998)،ص 33.
(5) مةهدى محةمةد قادر، ذيَدةرىَ بةرىَ، ل ل 116-117.
(6) من مذكراتي،(د.ت،د.م)،ص ص 38-39.
(7)  حبيب محمد كريم، المصدر السابق، ص ص 33-34
(8) نوري شاويس، المصدر السابق، ص 42.
(9) اسماعيل شكر رسول، المصدر السابق، ص 265.
(10)  المصدر السابق، ص 34.
(11) المصدر نفسه، ص 33-35؛ مةهدى محةمةد قادر، ذيَدةرىَ بةرىَ، ل 120-122.
(12) فريد اسسرد، اتجاهات السياسة الكردية بعد الحرب العالمية الثانية، (السليمانية، 2008)، ص 31.
(13) عبد الفتاح علي بوتاني، لمحات عن المسار السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني 1946-1992، مجلة مةتين، العدد 91، (دهوك، 1999)، ص 66.
(14) المصدر نفسه، ص 66- 67.
(15) حبيب محمد كريم، المصدر السابق، ص 49- 51؛ فريد اسسرد، المصدر السابق، ص64-72.
(16) حبيب محمد كريم، المصدر نفسه، ص 56-57.