الاثنين، 28 نوفمبر 2011

الصحافة الكوردية العلنية في العراق خلال العهد الملكي 1921-1958


الصحافة الكوردية العلنية في العراق خلال العهد الملكي 1921-1958
تعد الصحافة وسيلة مهمة من وسائل الشعب للتعبير عن مطامحه واهتماماته، كما إنها تعد من المصادر الحية التي ينبغي الاعتماد عليها في كتابة التاريخ، فمن خلال ما تسطره من مقالات نستطيع تلمس أراء الناس ومشكلاتهم واتجاهاتهم وسلبيات واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فضلاً عن إنها تساعدنا في فهم تصور بعض مظاهر النهضة الفكرية وتنامي الوعي القومي الكوردي وتطور حركته التحررية، وانعكاس تيارات المجتمع واتجاهاته السياسية، فالصحافة كما قيل مرآة المجتمع.
اولاً: موجز تاريخ الصحافة الكوردية العلنية في العراق
نشأت الصحافة الكوردية في مصر بصدور اول عدد من جريدة كوردستان في 22 نيسان 1898 ومن ثم توالت الصحف الكوردية بالصدور، وانتعشت نسبياً بعد الانقلاب العثماني عام 1908 ومن اهم تلك الصحف التي صدرت هي  كرد عام 1908، هيفى عام 1912. وصدرت اول صحيفة كوردية في العراق في مدينة بغداد باسم بانكى كورد عام 1914.
شرعت القوات البريطانية، بعد احتلال للعراق وبسط سيطرتها خلال (1914-1918)، باصدار عدد من الصحف الكوردية لترسيخ نفوذها ومنها: تيَطةيشتنى راستى في بغداد 1918، و در النجمة في كركوك عام 1918، بيشكةوتن في السليمانية عام 1919.
        حققت الصحافة الكوردية تطوراً ملحوظاً في ظل حكمدارية الشيخ محمود(1922-1924) وصدرت عدد من الصحف وهي: بانكى كوردستان عام 1922، روذى كوردستان عام 1923، بانكى حةق عام 1923، ئوميدى ئيستقلال عام 1923.ولعبت تلك الصحف دوراً مهماً في بلورة الوعي القومي لدى الكورد.
دخلت الصحافة الكوردية مرحلة جديدة، بعد القضاء على حكومات الشيخ محمود وحل مشكلة ولاية الموصل بإبقائها ضمن العراق، حيث ان الحكومة العراقية لم تكن تسمح بإصدار صحف كوردية سياسية ولهذا توجه الكرد نحو إصدار الصحف الأدبية لترسيخ الهوية الكوردية والتمسك بالحقوق القومية التي وعد بها للكرد والمطالبة بتنفيذ ما تم الوعد به ضمن الدولة العراقية. تعد جريدة ذيانةوة أول جريدة شبه رسمية للحكومة العراقية صدرت في السليمانية عام 1924. وشاركت مدن أخرى السليمانية وبغداد في النشاط الصحفي فصدرت أول مجلة كوردية في رواندوز بأسم زار كرمانجي عام 1926. وجريدة كركوك عام 1926. فيما صدرت مجلة روناكى في اربيل عام 1935.
يذكر انه خلال سنوات الانتداب البريطاني في العراق (1918 – 1932) صدر اكثر من (200) مجلة وجريدة متنوعة لم تكن بينها سوى (6) فقط باللغة الكوردية، كما لم يحدث زيادة في عدد الصحف الكوردية بعد استقلال العراق عام 1932. ورغم ذلك طرأت على الصحافة الكوردية في الثلاثينات تغيرات جوهرية من حيث المضمون والشكل، اقتضتها طبيعة العمل الصحفي المتطور، فظهرت مجلات وجرائد كوردية بحلة جديدة وبشكل مصور وبتقنية حديثة، تطورت فيها أساليب المقالات منافسةً في ذلك أخواتها من الصحف العراقية، اختلفت فيها المواضيع وتحررت من النهج التقليدي القديم.
هيأ ذلك لظهور صحف كوردية متطورة جداً مقارنةً بالصحف السابقة، ومن اهم تلك الصحف مجلة طلاويَذ، صدرت في بغداد عام 1939، وهي تعد من خيرة المجلات الكوردية وأطولها عمراً خلال العهد الملكي، ولعبت دوراً مشّرفاً في نشر الأفكار الوطنية والديمقراطية وتنمية الثقافة والأدب القومي وخلق جيل من الأدباء والكتاب على نحو تقدمي وطني. كذلك جريدة ذين والتي تعد أطول جريدة كوردية في العراق، صدرت في السليمانية عام 1939، واستمرت في الصدور حتى عام 1963.
تعد فترة (1954 – 1958)، فترة ركود بالنسبة للصحافة العراقية والكوردية، فقد أصدرت وزارة الداخلية في 22 أيلول 1954 مرسوم المطبوعات رقم (24) لعام 1954 وألغيت بموجب المرسوم جميع امتيازات الصحف وعددها (170) صحيفة منها صحيفة واحدة في كل من السليمانية واربيل وكركوك، ومن الصحف الكوردية التي ظهرت بعد ذلك القانون هي: مجلة هةتاو ومجلة هيوا  ومجلة ثيَشكةوتن ومجلة شةفةق وإن هذه الصحف استمرت حتى بعد اندلاع ثورة 14 تموز 1958.
وكان لظهور عدد من الجمعيات الكوردية العلنية، التي اتخذت من الصحف وسيلة لنشر أفكارها ومبادئها، دوراً كبيراً في تثقيف الرأي العام الكردي، كجمعية الشباب التي أصدرت عددين من مجلة يادطارى لاوان عام 1933، وعام 1934. وجمعية زانستى التي أصدرت عدداً من مجلة زانستى عام 1938، وجمعية المعلمين التي أصدرت في اربيل جريدة هةولير عام 1950. ومن أهم تلك الجمعيات يانةى سةركةوتنى كوردان التي أصدرت مجلة هيـوا في بغداد عام 1957.
ثانياً: معوقات الصحافة الكوردية في العراق خلال العهد الملكي:
كانت مهنة الصحافة بالنسبة للصحفي الكوردي، خلال العهد الملكي (1921 ـ 1958)، مهنة شاقة بل و متعبة، إذ كان دربه شائكاً و مخاضه عسيراً و هو يشق طريقه لايصال رسالته التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع الكوردي، فهي من جهة كانت خاضعة للرقابة الحكومية الشديدة، ومن جهة أخرى لم تسمح الحكومة بظهور أحزاب كوردية علنية تأخذ على عاتقها مهمة دعم الصحافة الكوردية، لذا نستطيع ان نقول ان تاريخ الصحافة الكوردية خلال هذه الفترة  ما هو إلا جهود أشخاص واغلبهم كانوا  ادباء و شعراء صقلوا مواهبهم عن طريق ممارسة المهنة، ولعل هذا الشيء كان سبباً ايضاً في أن يطغى المواضيع الأدبية على الصحافة الكوردية، و ظلت هذه الصفة بارزة في الصحافة الكوردية حتى وقتنا الحاضر. فمن مجموع (26) جريدة و مجلة علنية صدرت خلال هذه الفترة، لم تكن بينها سوى مجلة سياسية واحدة و هي مجلة نزار التي أصدرها الاديب و الصحفي علاء الدين سجادي في عام 1948.
يأتي ندرة مطابع جيدة في كوردستان في مقدمة المشاكل التي واجهها الصحفيين الكورد، فبواسطة المطبعة التي جاء بها ميجرسون  إلى السليمانية، أصدرت ثيَشطؤتن، بانطى كوردستان، رؤذى كوردستان، بانطى حةق، ئوميدى ئيستقلال، ذيانةوة، زبان) . و بواسطة المطبعة التي أسسها حسين حزني موكرياني في رواندوز، اصدرت مجلة زارى كرمانجى ثم نقلت إلى اربيل و اصدر بها مجلة روناكى.
و كانت تلك  المطابع قديمة، تعاني من مشاكل عديدة، لذا إن اصحاب الصحف التي ذكرناها لم يستطيعوا من اصدار سوى أعداد قليلة من صحفهم، فمثلا حسين حزنى موكريانى بالرغم من امتلاكه لمطبعة خاصة به، لم يستطع من اصدار سوى (24) عدد من مجلته زارى كرمانجى. كما انه كان من غير الممكن الاستفادة من المطابع الموجودة في العراق لكونها تفتقر للحروف و الحركات الموجودة في اللغة الكوردية، فضلا عن جهل عمال المطابع العراقية باللغة الكوردية، مما كان يؤثر على المطبوع الكوردي و يجعله مملوءا بالأخطاء المطبعية رغم تكرار تصحيحها.
و من المشاكل الأخرى التي واجهها الصحفي الكوردي هي التمويل فمن المعروف ان الصحف تعتمد في وارداتها بشكل خاص على بيع الجريدة و الإعلانات، فبخصوص بيع الصحف الكوردية، تميزت سوقها بالكساد بسبب سواد الأمية المنتشرة بين الكورد، و عدم السماح بوصولها إلى باقي الأجزاء الأخرى من كوردستان بسبب الرقابة الشديدة عليها من قبل حكومات سوريا و تركيا و ايران.
و تسبب الفقر الشديد الذي كان يعاني منه شرائح واسعة من المجتمع الكوردي، في تراكم اجور بيع الصحف الكوردية لدى مشتركيها، فأغلب الصحف الكوردية كانت تشكي من هذه الظاهرة، وعبرت مجلة نزار عن أثر هذه الظاهرة على الصحافة الكوردية معللا ان دفع الاشتراكات ضرورية في تقدم الصحيفة، و مما جاء فيها:" لو انك علمت يا من تعطي هذا المال القليل في شراء المطبوعات الكوردية بأنك تبني لك صرحا ادبيا كورديا بهذا المال القليل الذي تدفعه.. انت ايها الجندي المجهول المحارب لأجل لغتك لو انك تعلم كم تسدي إلى لغتك و إلى من يتكلمون بهذه اللغة و إلى مستقبل هذه اللغة لو كنت تعلم لما أعطيت إلا أكثر فما تعطي بقلب منشرح و بناء أكثر... أخي يا من اناديك و لا أعلم من انت عسى أن يكون ندائي قد بلغ شفاف قلبك".
اما بالنسبة للإعلانات، فقد كانت نادرة جداً في الصحافة الكوردية خلال العهد الملكي سيما التجارية و حتى الإعلانات الحكومية أيضا فلم تكن تعطي للصحف الكوردية عدا بعض الإعلانات المحلية و التي كانت قليلة جداً.
كان لمحاربة الحكومة للصحافة الكوردية من أهم المشاكل في طريق تقدمها، فبواسطة القوانين التي اصدرتها كبلت النشاط الصحفي بكثير من القيود. فعندما نشرت مجلة زارى كرمانجي مقالا حول قدوم المندوب السامي البريطاني الجديد كلبرت كلايتون إلى العراق، حيث رحب المقال بقدومه و علق عليه أمال الشعب الكوردي في الرفع من معانات الفقر و الجهل في كوردستان، و سيادة العدالة و ازدهار المطابع و المنشورات الكوردية، نجد ان الحكومة تنذر المجلة مذكرا لها "انذركم ان تبتعدوا عن الخوض في الشؤون السياسية و ان تحصروا ابحاثكم في المسائل العلمية و الأدبية". واغلقت الحكومة مجلة روناكي عام 1936 بسبب نشرها مقالاً اوضحت فيه ان مدينة اربيل بحاجة الى مشروع ماء لتزويد الاهالي بما يحتاجونه من المياه الصالحة للشرب. 
و من الطبيعي ان تؤثر تلك المشاكل على الصحافة الكوردية و تطورها، فكثيرا ما كانت تعرف نفسها بأنها أسبوعية أو شهرية، لكنها لم تكن تصدر في مواعيدها، و هناك صحف صدر منها عدد واحد فقط كمجلة زانستى  ومجلة ثةيذة . كما واثرت على حجم الصحف و على نوعية الورق المستخدم.
ان ما سبق يقودنا الى القول بان المميزات التي تميزت بها الصحافة الكوردية خلال العهد الملكي (1921ـ 1958) بانها  مميزات الصحافة في المجتمعات النامية وهي:
1- صدورها باللغتين العربية و الكوردية و احيانا بعدد لغات كصحافة شيخ محمود البرزنجي.
2- افتقارها إلى عامل التوزيع و التوزيع المحدود.
3- الأعتماد الكلي على المشتركين.
4- الأفتقار إلى مستلزمات الطباعة.
5- عدم الاستفادة من الإعلانات.
6- عدم بروز الاختصاص لا على مستوى الصحف: فنية، رياضية، عمالية، فلاحية... و لا على مستوى العاملين في الصحيفة : محرر شؤون اقتصادية، محرر شؤون سياسية، محرر فني، مخبر صحفي...، فهناك صحف يفهم من مقالاتها بأن كاتب جميعها شخص واحد كمجلة ثةيذة مثلا.



فرهاد محمد احمد
‏29‏/10‏/2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق